فصل: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



القول الثالث: {ومن دخله كان آمنا} أي آمنا من عذاب النار أي جعل الحج والعمرة سببان في النجاة من النار.
القول الرابع: وهو اختيار المظفر السمعاني رحمه الله في تفسيره أن المعنى أن الله جل وعلا أمن قريش في جاهليتهم لأنهم أهل الحرم قال تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم} سورة العنكبوت (67)، فلم يكن يؤذون لأنهم أهل حرم الله، وكل من رامهم بأذى قسمه الله كما حصل لإبرهه وجنده، وهذا في ظني أقرب الأقوال إلى الصحة والله تعالى أعلم.
ثم قال الله جل وعلا: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}.
اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم أنك كنت تصلي إلى بيت المقدس، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس وهو في مكة ويصلي إلى بيت المقدس وهو في المدينة، أما في مكة فكان عليه الصلاة والسلام يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس يصلي في جهة بحيث تكون الكعبة أمامه وبيت المقدس وراءها ويصبح استقبل بيت المقدس والكعبة في آن واحد، هذا المشهور عن ابن عباس رضي الله عنه.
لما قدم المدينة هذه ما يمكن أن تجتمع لأن الكعبة في الجنوب وبيت المقدس في الشمال فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا كما في رواية البراء بن عازب رضي الله عنه عند البخاري وغيره ثم أنزل الله جل وعلا: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} سورة البقرة (144)، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى الكعبة إلى وقتنا هذا.
اليهود قالوا: هذا أكبر دليل أنك مضطرب في عبادتك. فبين الله جل وعلا لهم في جواب قرآني قال تعالى: {قل لله المشرق والمغرب} سورة البقرة (142)، كل الجهات ملك لله والله جل وعلا يختص منها ما يشاء ويتعبد عباده بما يريد، حتى لو تعبده كل شهر من جهة هو ربهم وهم عبيده والجهات جهاته والملك ملكه وليس لليهود ولا لغيرهم قول ولا برهان: {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}. فالله جل وعلا ابتلاء للناس وتمحيصا واختبارا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي إلى بيت المقدس وهو يعلم جل وعلا أزلا أنه سينقلهم إلى الكعبة، في هذه الفترة يمحص الله جل وعلا عباده يبتلي خلقه من يثبت ومن لا يثبت كما قال الله جل وعلا: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} سورة البقرة (143)، أي هذا الأمر عظيم إلا على من يسره الله جل وعلا إليه.
المقصود أن بيت المقدس كان معظما، مبالغة في تعظيم الكعبة أمر الله جل وعلا في رده على اليهود أن يكون الحج إلى الكعبة لما كانت الكعبة تفضل على بيت المقدس بوجوه كثيرة كان اختيارها مكان للحج أمر لا مناص منه قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت} اللام في {ولله} من حيث النحو حرف جر، من حيث المعنى للإيجاب والإلزام. فأوجب الله وألزم عباده حج البيت، ولم يكتف الله باللام بل جاء بحرف على، أتى بمؤكدين اللام وعلى وكلاهما تدل على الإيجاب والإلزام. تقول لفلان عندي كذا، على فلان عندي كذا، أي يجب علي له.
كل من استطاع الوصول إلى البيت يجب عليه الحج ومن لم يستطع فقد أعذره الله جل وعلا في كتابه:
{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} كلمة {الناس} عامة ثم جاء التخصيص {من استطاع} فمن لم يستطع الوصول إلى البيت سقط عنه فريضة الحج.
الله جلا وعلا لم يحدد كيفية الاستطاعة وهذا من بلاغة القرأن لانه لا يمكن عقلا تحديد الاستطاعة بشي واحد من كل الأزمنة. ومن قال من العلماء رحمهم الله أن الزاد والراحلة فهذا قول مرجوح لا يمكن أن يكون صحيح لأنه قد يقع عارض أشد من الأول. ونأتي بعارض عصري لو أن المرض كفانا الله وإياكم شره المعروف بسارس انتشر في أمة مسلمة في بلاد ما حتى أهلكهم، ثم رغب أناس من هذه الأمة أن يحجوا إلى البيت يملكون زادا ويملكون وراحلة.
هل من الحكمة أن يؤذن لهم بالحج؟ قطعا لا، لأنه قد يأتي منهم من يحمل المرض فيفتك بالحجاج كلهم. فلذلك من الحكمة منعه والحج يعتبر ساقط عنه ومعذور شرعا، لأنه لا يستطيع الوصول إلى البيت فيمنع. هذا المنع لا علاقة له لا بالزاد ولا بالراحلة، فتبقى {من استطاع إليه سبيلا} كلمة مفتوحة كل من استطاع الوصول إلى البيت يجب عليه الحج ومن لم يستطع فقد أعذره الله جل وعلا في كتابه.
{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} أي طريقا.
{ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} هذه {ومن كفر} للعلماء فيها ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن الآية على ظاهرها، والمعنى أن من لن يحج وهو قادر فهو كافر بظاهر الآية وهذا مذهب الحسن البصري رحمه الله ووافقه عليه بعض العلماء.
الوجه الثاني: أن من أنكر فريضة الحج فهو كافر وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وعليه جماهير العلماء.
الوجه الثالث: أن الآية جرت مجرى التهديد والتغليظ والوعيد والزجر في بيان أهمية الحج إلى بيت الله وأنه كالكافر وهذا القول اختاره بعض العلماء وهو الذي إليه نميل والله أعلم.
وهذا له قرائن في الكتاب والسنة:
أما في القرآن: قال تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} سورة النساء (93)، مع اتفاقنا أن هذه الآية تحمل على أنها مبالغة في التهديد وإلا من قتل نفس ومات على التوحيد لا يخلد في النار.
ومن السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: «عبد بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة وقاتل نفسه في النار» وما إلى ذلك مما جاء في قصة الانتحار، والصحيح أن من مات منتحرا ولم يأتي بناقض شرعي ومات على لا إله إلا الله فإنه لا يخلد في النار ويحمل هذه الأحاديث والآية: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} النساء (29)، وغيرها على المبالغة في التهديد والزجر والوعيد وإلا قاتل نفسه لا يخلد في النار وإنما يسن لإمام المسلمين أو نائبه أن لا يصلي عليه، أما أنه يخلد في النار فلا يخلد في النار لما روى مسلم في الصحيح أن رجل من الصحابة اشتد عليه مرض ما فعمد إلى عروقه فقطعها فسال الدم فلما سال الدم أخذ ينزف حتى مات فرءاه ابن عم له في المنام وعليه ثياب بيض وقد غلت يداه أي أحكمت، قال: ما صنع بك ربك؟ قال: عفا عني. قال: فما بال يديك؟ قال: إن الله قال لي: «إننا لا نصلح منك ما أفسدته من نفسك»- لأنه قطع يديه- بعد ذلك الرجل لما استيقظ قص الرؤيا على الرسول عليه الصلاة والسلام فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «اللهم وليديه فاغفر، اللهم وليديه فاغفر، اللهم وليديه فاغفر» قالها ثلاثا. قال النووي رحمه الله في شرح مسلم وغيره من العلماء في الآية دليل واضح على أن قاتل نفسه لا يخلد في النار.
لكن هذا يخاطب به طلبة العلم فقط ولا يقال للعامة حتى لا يستهينوا بقتل النفس لا بقتل غيرهم ولا قتل أنفسهم.
طالب العلم والتفريق في الخطاب:
وطالب العلم ينبغي أن يفرق بين الخطاب إلى العامة والخطاب إلى طلبة العلم، وبيان الحكم الشرعي غير الوعظ، ولذلك عندما تقرأ في كتب ابن قدامه رحمه الله أو غيره من أئمة الدين الفقهاء لا يتكلمون مع بعضهم بـاتقي الله، وخاف الله، واخش الله هذا كلام وعظ ليس له علاقة بالأحكام الشرعية. وعندما يتكلم بالوعظ لا يتكلم عن تفسيرات اختلافات العلماء.
يعني ما يأتي إنسان مثلا في مسألة يخالف فيها آخر ويقول: اتق الله خاف الله كيف تقول بهذا الكلام العلمي أنت تقول له: اتق الله هو لم يتق الله ما يقول هذا الكلام لأنه يعتقد أنه صحيح، فلأنه يتق الله يقول هذا الكلام لا علاقة له بالتخويف من الآخر لأنه يعتقد أن هذا صحيح فهو يقوله لأنه يتقي الله فما في مجال لكلمة اتقي الله وخاف الله، لكن في إنسان يعلم شيء أنه معصية تقول له اتقي الله لأنه يعلم أنه معصية ويعصي الله جل وعلا، يعني مثلا: بسم الله الرحمن الرحيم قلنا في درس سابق أنه يوجد اختلاف بين العلماء هل هي آية من الفاتحة أو ليست بآية ما تأتي لإنسان يعتقد أنها ليست بآية وتقول له اتق الله وخاف الله خاف عذاب النار قول: بسم الله الرحمن الرحيم، هو لأنه يخاف الله لم يقولها لأنه لا يعتقد أنها آية والعكس. هذا أهم شيء تفهمه في قضية النزاع العلمي. ولذلك أنت اقرأ مناضرات العلماء كلام ابن قدامه وغيرهم من أئمة العلم في كتب الفقهاء وغيرهم لا تجد فيها الأسلوب الوعظي ولا ذكر الجنة والنار لأن كل فريق يعتقد صحة ما يقوله، إنما يبنى الكلام على الأدلة. كل يحاج الآخر بالأدلة.ولذلك يشتهر ما بين صغار طلبة العلم تقول له ما رأيك في أبو فلان؟ يقول لك هذا ما يخاف الله. لماذا لا يخاف الله يفتي بكذا وكذا ويقول بكذا، هذا ليس بكلام رجل عاقل لأنه هو يخاف الله يقول ما يعتقده. وهذه أهم ما في الدرس وإلا لو طبقت هذا الكلام الذي يتناقله اليوم البعض لو طبق على الصحابة لهلكنا جميعا، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبادلون الرأي ويقول كل منهم بقول، لا يأتي إنسأن لاخر ويقول له اتقي الله لأن كلا منهم يقول ما يعتقد أنه صواب، لكن كل منهم يقارع الآخر بالحجة وبالنظر وبالدليل ثم إذا المسألة استبانت لك لم تكن لتستبين لأخيك والعكس صحيح.
هذا ما تيسر إيراده والفضل لله في أوله وآخره، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال أبو عبيدة معمر بن المثنى:

بسم الله الرّحمن الرّحيم.
سورة آل عمران (3).
{الم} (1): افتتاح كلام، شعار للسورة، وقد مضى تفسيرها في البقرة (2)، ثم انقطع فقلت: {الله لا إله إلا هو} (2): استئناف.
{آياتٌ مُحْكَماتٌ} (7): يعنى هذه الآيات التي تسمّيها في القرآن.
{وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ} (7): يشبه بعضها بعضا.
{فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} (7) أي جور.
{فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ} (7): ما يشبه بعضه بعضا، فيطعنون فيه.
{ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ} (7): الكفر.
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (7): العلماء، ورسخ أيضا في الإيمان.
{تَأْوِيلِهِ} (7): التأويل: التفسير، والمرجع: مصيره، قال الأعشى:
على أنها كانت تأوّل حبّها ** تأوّل ربعى السّقاب فأصحبا

قوله: تأول حبها: تفسيره: ومرجعه، أي أنه كان صغيرا في قلبه، فلم يزل ينبت، حتى أصحب فصار قديما، كهذا السقب الصغير لم يزل يشبّ حتى أصحب فصار كبيرا مثل أمّه.
{مِنْ لَدُنْكَ} (8) أي من عندك.
{لا رَيْبَ فِيهِ} (9) لا شك فيه.
{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ الله شَيْئًا} (10): يعنى عند الله.
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} (11): كسنة آل فرعون وعادتهم، قال الراجز:
ما زال هذا دأبها ودأبى

109 {كَذَّبُوا بِآياتِنا} (11) أي بكتبنا وعلاماتنا عن الحق.
{الْمِهادُ} (12) الفراش.
{قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ} (13) أي علامة.
{فِي فِئَتَيْنِ} (13) أي في جماعتين.
{فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ الله} (13): إن شئت، عطفتها على {فى}، فجررتها وإن شئت قطعتها فاستأنفت، قال، كثير عزة:
فكنت كذى رجلين رجل صحيحة ** ورجل رمى فيها الزمان فشلّت

وبعضهم يرفع رجل صحيحة.
{يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} (13): مصدر، تقول: فعل فلان كذا رأى عينى وسمع أذنى.
{يُؤَيِّدُ} (13) يقوى، من الأيد، وإن شئت من الأد.
{لَعِبْرَةً} (13): اعتبار.
{وَالْقَناطِيرِ} (14): واحدها قنطار، وتقول العرب: هو قدر وزن لا يحدّونه.
{المقنطرة} مفعلة، مثل قولك: ألف مؤلّفة.
قال الكلبي: ملء مسك ثور من ذهب أو فضة قال ابن عباس: ثمانون ألف درهم وقال السّدّى مائة رطل، من ذهب أو فضة وقال جابر بن عبد الله: ألف دينار.
{وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} (14) المعلمة بالسماء، ويجوز أن تكون {مسوّمة} مرعاة، من أسمتها تكون هي سائمة، والسّائمة: الراعية، وربّها يسيمها.
{الْأَنْعامِ} (14): جماعة النّعم.
{وَالْحَرْثِ} (14): الزرع.
{مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا} (14) يمتّعهم، أي يقيمهم.
{الْمَآبِ} (14) المرجع، من آب يؤب.
{مُطَهَّرَةٌ} (15): مهذّبة من كل عيب.
{وَالْقانِتِينَ} (17): القانت المطيع.
{شَهِدَ الله} (18): قضى الله.
{أَنَّهُ لا إله إلا هو وَالْمَلائِكَةُ} (18) شهود على ذلك.
{بِالْقِسْطِ} (18) أقسط: مصدر المقسط وهو العادل والقاسط: الجائر.
{الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} (19): الأمم الذين أتتهم الكتب والأنبياء.
{وَالْأُمِّيِّينَ} (20): الذين لم يأتهم الأنبياء بالكتب والنبي الأمىّ:
الذي لا يكتب.
{يَفْتَرُونَ} (24) يختلفون الكذب.
{تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ} (27): تنقص من الليل فتزيد في النهار، وكذلك النهار من الليل {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} (27) أي الطيّب من الخبيث، والمسلم من الكافر.
{تُقاةً} (28) وتقيّة واحدة.
{أَمَدًا} (30): الأمد الغاية.
{فَإِنْ تَوَلَّوْا} (32)، في هذا الموضع: فإن كفروا.
{إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ} (35) معناها: قالت: امرأة عمران.